
رغم اتجاه المزيد من الأشخاص لمجال ريادة الِأعمال، وتأسيس مشروعهم الخاص سعياً وراء تحقيق الأرباح، إلا أن هذا المجال يشهد الكثير من قصص فشل الشركات الناشئة، التي قد لا يمر على تأسيس بعضها سوى بضع سنوات إلا وتغلق أبوابها. الشركة الناشئة هي شركة صممت لتنمو بسرعة. وكون الشركة تأسست حديثًا لا يجعلها شركة ناشئة. كما أنه من غير الضروري على الشركة الناشئة أن تعمل في قطّاع التقنية أو أن تقبل تمويلًا مخاطرًا أو أن يكون لها أي نوع من “خطط الخروج”. الشيء الوحيد الأساسي هو النمو. وكل شيء آخر يتم ربطه بالشركات الناشئة فهو يتبع النمو. إذا أردت إطلاق شركة ناشئة فمن الضروري أن تعي بأن في الشركات الناشئة من الصعوبة ما لا يمكنك الوقوف جانبًا مكتوف الأيدي وتأمل بأن تنجح. عليك أن تعرف أن ما يجب أن تسعى إليه هو النمو. والخبر السار هنا، أنك إذا حققت النمو، فإن كل شيء آخر سيتحقق في مكانه. ما يعني أنه يمكنك استخدام النمو كبوصلة لاتخاذ أي قرار سوف تواجهه. ونظراً لأهمية معرفة التحديات التي تواجه الشركات الناشئة، حتى يتفاداها رواد الأعمال الجدد، يستعرض هذا التقرير 6 أسباب رئيسية تمنع نمو الشركة.
1- خطة العمل السيئة
امتلاك خطة عمل واضحة، هو أحد أعمدة أي مشروع جديد، ومن المفترض أن يكون لدى مشروعك خطة عمل وخصوصا في مرحلة التأسيس، لكن وجود الخطة لا يعني دوما أنها جيدة أو مناسبة أو فعالة لمشروعك، ولا يعني هذا أن تذهب غلى كامبريدج لدراسة كيفية عمل خطة، بل أن توظف الخبراء الذين نجحوا من قبل في محيطك في رسم خطط ناجحة لشركات مثلك.
خطة العمل السيئة تظهر من عدم وضوح الأهداف أو عدم وجود أهداف منطقية وواقعية قابلة للتنفيذ في الخطة أو من سوء تقدير التكاليف بالزيادة أو النقصان أو باختصار الوقت للاعتقاد بان هذا سيزيد الإنجاز وسيحقق الأهداف أسرع، أو من فهم السوق ودراسته بشكل خاطئ وبناء الخطة على هذا الفهم الخاطئ، كل هذه من اسباب فشل الشركات الناشئة.
2- نفاد رأس المال والفشل في الحصول على تمويل جديد
سبب آخر من اسباب فشل الشركات الناشئة هو نفاد الأموال وعدم وجود تدفق نقدي كافي أو سيولة بسبب سوء إدارة الأموال أو تراكم الديون أو غيرها، حيث تعتمد الكثير من الشركات على المستثمرين للحصول على أموال جاهزة للبدء في جني الأموال، وإذا لم يحققوا النتائج المطلوبة في وقت قياسي سوف تكون الشركة في ورطة وقد تتعرض للفشل الذريع.
إذا لم تبذل الشركات الناشئة جهدا كبيرا في إيجاد ممولين ومستثمرين قد تنتهي رحلة الشركة إذا انتهى رأس المال الأصلي، لأنها لن تكون قادرة على الالتزام بتغطية نفقات التشغيل أو لدفع رواتب الموظفين أو غيرها، وتلك المشكلات شائعة ومن أهم أسباب فشل الشركات الناشئة.
يعد نفاد رأس المال، وعدم القدرة على الحصول على تمويل جديد من أهم أسباب فشل الشركات الناشئة، ففي شهر سبتمبر 2019 أغلقت شركة الواقع المعزز “دقري” “Daqri”- والتي تأسست عام 2007- أبوابها، بعد أن أنفقت تمويلاً يبلغ أكثر من 250 مليون دولار، وفشلت في الحصول على تمويل جديد.
3- سوء تقدير وتلبية احتياجات السوق
لا يمكن للشركات الناشئة أن تستمر إذا لم تكن منتجاتها وخدماتها تلبي احتياجات السوق، فمهما كانت المنتجات والخدمات مبتكرة، فلا أهمية لها إذا لم يكن الجمهور المستهدف يحتاجها.
يبدأ رواد الأعمال شركاتهم بطموح عالٍ ببيع مليون منتج في العام الأول دون دراسة أو فهم لحاجة السوق فعلا لخدماتهم أو منتجاتهم إذ من المستحيل أن ينتشر ابتكار جديد أو منتج بشكل هائل دون فهم كامل لمدى حاجة الناس له، وضخ التمويلات لمشروعك ليس الحل الوحيد دائمًا، فبالرغم من أن إيجاد مستثمرين مختلفين معك مهم وسيساعدك إلا أن هذا ليس على المدى الطويل.
السوق معقد، لا يمكن التنبؤ به ولا بردود أفعاله تجاه منتج أو خدمة ولهذا لا عجب في أن الكثير من الشركات الناشئة لا تنجح دوما في فهم السوق، ولهذا خذ وقتك في فهم حاجة السوق لمنتجاتك أو خدماتك قبل أن يكون استثمارك في المشروع خسارة ليس أكثر ولا أقل.
ما هي أسباب فشل شركة نوكيا ؟
في عام 2006 وصلت مبيعات شركة نوكيا إلى 51 مليار يورو، حيث كانت نوكيا هي الشركة المسيطرة في عالم الأجهزة الخلوية، لكن لماذا انتهى حالها الى الفشل.
بعدها بدأت نوكيا بالسقوط بلا توقف إلى عالم النسيان، حيث بدأت تشهد خسارات متتالية ونكسات لا تنتهي حتى لم يعد يُذكر إسمها عند إجراء مقارنات بين عمالقة الأجهزة الخلوية.
ماذا حصل لنوكيا؟ وما هي الأسباب التي أدت إلى فشلها بعد أن سيطرت على أسواق الهواتف لأعوام طويلة؟
في ذلك الوقت، كان مصنّعوا الهواتف الذكية مشغولون بتطوير منتجاتهم وتحسينها. بينما كانت نوكيا ثابتة في مكانها وبقيت تستخدم نفس التكنولوجيا القديمة التي لم تعد تجذب المستخدمين إليها.
بعدها قامت شركة سامسونج بإطلاق أولى مجموعاتها من الهواتف التي تعمل بنظام تشغيل الأندرويد، حيث كانت كلفة هذه الهواتف معقولة وكان إستخدامها سلساً بالنسبة للناس.
لم تتقبل نوكيا فكرة الهواتف التي تعمل باللمس تحت مظلة نظام الأندرويد.
كان المُعتقد الراسخ لديهم بأن المستخدمين يفضّلون الهواتف التي تحتوي على لوحة مفاتيح. هذا المُعتقد الذي كان لديهم كان بداية السقوط، لكن لم تُفكر نوكيا أبداً بأستخدام نظام الأندرويد كنظام تشغيل لأجهزتها.
حتى بعد إثبات نظام الأندرويد نجاحه في السوق, بقيت نوكيا معتمدة على نظام التشغيل سيمبيان (Symbian Operating System) والذي كان نظاماً جامداً وبعيداً كل البعد عن السلاسة في الإستخدام.
حاولت نوكيا أن تطوّر نظام تشغيلها وتحسين أدائه, لكن هذا الأمر جاء متأخراً, لأن شركتي أبل وسامسونج كانتا قد قامتا ببناء قاعدة شعبية واسعة لمنتجاتهما, لذا لم يستطع نظام التشغيل سيمبيان من منافسة نظام الأندرويد أو نظام IOS. كان هذا السبب هو أحد أهم الأسباب وراء سقوط شركة نوكيا.
4- التوقيت السيئ
أحيانًا قد تكون الفكرة جميلة، لكن الوقت غير مناسب لدخولها السوق أو لإطلاقها وتسويقها، وقد يتسبب إطلاق المنتج في وقت غير مناسب يجعل المستثمرين يتخلون عن فكرة الاستثمار لو شعروا بعدم ارتياح أو ظنوا أن الوقت غير مناسب لنجاح الفكرة.
فإن اطلاق المنتج بوقت مبكر جداً، فقد ينظر إليه المستخدمون على أنه غير مفيد بالنسبة لهم، وإذا أطلقته بعد فوات الأوان، فقد تُضيع بذلك فرصها في السوق، ومن ثم يعد اختيار التوقيت المناسب لإطلاق المنتجات من أهم عوامل نجاح الشركات.
القصص كثيرة عن الأفكار التي كانت سابقة لعصرها وفي غير وقتها ولكنها نجحت في وقت آخر، مثل خدمة Google Ask Jeeves أو خدمة توصيل البقالة WebVan برغم كونها مميزة ومذهلة إلا أن الناس لم يروا أنهم بحاجة إليها في ذلك الوقت مثل حاجتهم لها اليوم.
5- التوظيف السيئ
لن يبدأ أي مشروع ناشئ في النمو إلا من خلال توظيف الأشخاص المناسبين للمشروع، ففي حين يجب توفر مهارات أساسية في أي موظف مثل القدرة على حل المشكلات والتواصل الجيد والمثابرة إلا أن هناك مهارات متخصصة ومطلوبة لكل وظيفة تختلف عن وظائف أخرى.
ويرتبط التوظيف الجيد بكيفية إدارة وعمل الأشياء على نحو أفضل بكفاءة أكثر في وقت أقل وبإبداع في كل حل، وهو ما ينعكس على نمو مشروعك فيما بعد وبالمثل إذا كان موظفوك يعانون من عيوب في تقديم العمل على النحو المطلوب فمن المحتمل أن يكون هذا من اسباب فشل الشركات.
ليس من السهل إعادة بناء العلاقة مع العملاء في حالة فقدان الثقة ، خاصةً لأولئك الذين يتعاملون مع العملاء وجهًا لوجه، يمكن أن يدمر علاقات الشركة معهم، خاصةً إذا لم يتلقوا معاملة جيدة.
يتعين على الشركات التأكد من أن الموظفين الذين يمثلونها أمام العملاء، يعززون سمعتها ومكانتها وربحيتها، ويحافظون عليها، ولا يضرون بها.
عندما تتخذ الشركة قرار توظيف خاطئًا، وتُبقي على هذا الموظف، قد يشكك زملاء العملاء في قدرة الإدارة على اتخاذ القرارات الصحيحة، ما يؤثر ذلك سلبًا في العلاقة بين الإدارة والموظفين في الشركة، يجب على الشركة أيضًا إدارة سمعتها داخليًّا.
6- سوء تقدير الارباح وتحديد التكلفة
لا يوجد منتج غالي تمامًا أو رخيص جدًا، ولكن يوجد مشتري قادر على شراء المنتج غالي الثمن وآخر قادر على شراء المنتج رخيص الثمن، وبهذا فإن تسعير المنتج بشكل خاطئ على حساب تكلفتك قد يؤدي إلى فشل شركتك، ولست وحدك في هذا إذ تفشل حوالي 18% من الشركات بسبب سوء تقدير السعر.
يعتمد التسعير بالأساس على تكاليف المنتج والتشغيل والقيمة المتصورة للمنتج عند العميل مقارنة بمنتجات شبيهة يبيعها منافسين، وبهذا من المهم حساب كل شاردة وواردة في نفقات شركتك قبل التسعير وان تركز على القيمة التي يضيفها المنتج للعميل، لأن الاعتماد على هامش الربح المحدود وحده قد يؤدي لإفلاسك.
ما سبب فشل هذه الشركات ؟
في العام 2013، تأسست شركة “جويسيرو” (Juicero) الناشئة التي تعمل على تطوير جهـاز ذكي لإنتاج العصائر الطبيعية الفاخرة. الجهاز متصل بشبكة الواي فاي، يُباع معه مجموعة من الخضراوات والفواكه المعبّأة في أكياس وأغلفة خاصة مُحكمة الغلق توضع داخل الجهاز الذي يقوم بعصـرها واستخلاص العصائر منها بشكل نظيف وآمن وسريع. وجاء الطرح الأول للجهاز في السوق الأميـركي بسعر 700 دولار للوحدة.
مؤسس الشركة دوغ إيفانز كان متفائلا للغاية في المراحل الأولى لإطلاق الشركة، وله كل الحق في ذلك. ففي العام 2014، تلقت شركة جويسيـرو الناشئة جولة تمويلة ضخمة قُدّرت بـ 120 مليون دولار بقيادة تحالف استثمـاري تقوده عدة شركات استثمـار مخاطر في سان فرانسيسكو، وهو ما رفع قيمة الشركة بشكل كبيـر وأتاح لها فرصا كبيـرة للتحرّك بشكل واسع في السوق.
لكن الأمور سارت عكس ما كان مقررا لها تماما. لم يلق المُنتج الاهتمام الكافي من السوق، بل وبدأت صيحات الاعتراض الساخطة تتعالى من المشترين الذين اعتبروا سعر الجهاز مرتفعا للغاية لأداء غرض بسيط مثل عصر الفاكهة والخضراوات، وأن سعر 700 دولار حتما سعر مبالغ فيه. تزايدت هذه الاعتراضات عندما قام موقع “بلومبيرغ” العالمي الشهير المتخصص في أخبار وتحليل الأداء الاقتصادي باستعراض الجهاز بفيديو ساخر، مشيرا إلى أنه لا يؤدي حتى الغرض الذي يُصنّع من أجله، وأنه يعتبر استنزافا لجيوب المشترين بدون أي طائل.
بدأت الأمور تأخذ مسارا خطيرا لأداء الشركة، لدرجة الإطاحة بمؤسسها دوغ إيفانز في العام 2016، واستدعاء رئيس تنفيذي جديد للشركة “جيف دان” الذي كان رئيسا سابقا لشركة كوكاكولا في أميـركا الشمـالية، والذي جاء معه بحزمة إصلاحات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أولها خفض سعر الجهاز إلى 400 دولار. إلا أن هذا الإجراء لم يحظَ بالقبول لدى المستهلكين، وفي الوقت نفسه أفقد ثقة المستثمرين في الشركة الناشئة، الأمر الذي قاد الشركة إلى محاولة “تعويض” العملاء السابقين بإرجاع أموالهم إليهم بعد تخفيض سعر الجهاز، وهو ما أدى بالضرورة إلى مزيد من الانهيارات والانسحابات من الأسواق.
وفي أيلول من العام 2017، أعلنت الشركة وقف بيع جهازها ومنتجات عصائرها، وأنها تبحث عن مشترٍ للاستحواذ عليها وعلى أصولها الملكية ومواردها الأساسية لمواصلة الطريق في إنتاج عصائر فاخرة، وهو ما يعني إغلاقها وانسحابها من الأسواق في هذا العام، لتعتبر واحدة من أهم نماذج فشل الشركات الناشئة التي تلقّت تمويلا هائلا قد يكفي لصعود 10 شركات ناشئة أخرى إذا وُزّع عليها.
على الرغم من أن سوق توصيل الطعام بالطلب (on demand food delivery market) يعتبر من أكثر الأسواق الناشئة الناجحة عالميا خلال السنوات الماضية، ولكن هذا لا يمنع أنه مجال صعب يعج بالمنافسين أولا، ويحتاج إلى تطوير وتحسين في تقديم الخدمات بشكل دائم ثانيا، وإلا تكون لحظة الانهيار المحقق قريبة. وهو ما حدث لشركة “سبريغ” (Sprig) الناشئة المتخصصة في توصيل الطعام الصحي (Healthy Food)، عندما قرر مؤسسوها إغلاقها في أيار من العام 2017.
الشركة تأسست في العام 2013 بسان فرانسيسكو كشركة متخصصة في توصيل الطعام الصحي، صعودا مع موجة النمو الكبـرى في سوق توصيل الطعام عموما الذي كان وما زال مشتعلا حتى الآن. استطاعت الشركة أن تؤمّن تمويلا كبيـرا في الفترة التي تلت إطلاقها مباشرة، ليصل إجمالي تمويلها إلى 56 مليون دولار استثمـارات ساهم بها كبار المستثمرين المغامرين في وادي السيليكون، لترتفع قيمتها إلى نحو 110 مليون دولار وتبدأ في إنتاج وجبـات صحيّة بأسعار مناسبة للغاية في السوق الأميركي.
بمرور الوقت، بدا أن الشركة تحقق نموا ممتازا وأن هناك إقبالا بالفعل من العمـلاء، إلا أن هذا لم يمنع أنها كانت دائما على حافة الخطر، لأن أسعار الوجبات المقدّمة لم تكن تغطّي تكاليف التشغيل، وهو ما جعل هناك نقصا دائما في معدّلات الأرباح التي تحققها الشركة، فلم كانت قادرة على رفع أسعار وجباتها وبالتالي ينخفض الطلب. ولم يكن لديها القدرة على الاستمرار على تشغيل وحداتها بأسعار منخفضة لا تغطّي التكلفة، فيستمر نزيف الخسائر.
بحسب بلومبيرغ، فإن الشركة كانت تتكبّد خسائر تُقدّر بنحو 850 ألف دولار شهريا، وهو ما جعل خيار بيعها يعد ضروريا بالنسبة لمؤسسها غاغان بياني، إلا أن قصور نموذجها التجاري وعدم وجود أرباح كافية تغطي تكاليف التشغيل جعل من المستحيل شراءها أو دعمها من مستثمرين في جولات أخرى، وهو الذي قاد إلى إغلاق الشركة في العام 2017، على الرغم من أنها كانت بالفعل تقدّم منتجا ممتازا للأسواق.
في النهاية، وبعد شرح هذه الافكار نستخلص ان حصول شركتك على تمويل لا يعني أنها أصبحت شركة آمنة أو أنها دخلت منطقة الراحة، بقدر ما يعني المزيد من العمل المكثف لكن بأساليب أكثر تقدما وبمنهجية توسّع أكثر خبرة وأكثر تكلفة.
فالتمويل في كل الحالات هو “وسيلة” لدفع النمو وتسريعه لشركتك، وليس “غاية” في حد ذاته. وتظل القاعدة الأهم في عالم تأسيس الشركات: تمويل كبير في شركة سيئة الأداء أو غير متكيّفة مع متطلبات السوق، هو بالضبط مثل صبّ الوقود في سيارة بلا مُحرّك.